ماذا بعد خطة السلام في غزة: نظرة كتابية

 


بالأمس 13 أكتوبر 2025، اجتمع قادة العالم للتوقيع على خطة السلام في غزة وهي اتفاقية تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة واستعادة الاستقرار في المنطقة التي عانت من الصراع والألم طويلا. وبصفتنا مؤمنين بالمسيح، يجب أن ننظر إلى مثل هذه الخطوات بعين الامتنان والصلاة، فكل جهدٍ صادقٍ لإنهاء سفك الدماء وشفاء جراح البشرية هو أمرٌ محمود، لأن ربنا يسوع نفسه قال:"طوبى لصانعي السلام لأنهم يُدعون أبناء الله." — متى 9:5

وبينما نتمدح هذه الجهود، نفرح كلما مالت قلوب القادة نحو السلام. ومع ذلك، فبينما قد تجلب الاتفاقات السياسية هدوءًا مؤقتًا، تذكّرنا الكتب المقدسة بأن السلام الحقيقي والدائم لا يُوجد إلا في يسوع المسيح، رئيس السلام، الذي يصالح البشرية مع الله ومع بعضها البعض.


١- المسيح سلامنا

يكتب الرسول بولس قائلاً"لأنَّه هو سلامُنا، الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسط... لكي يصالح الاثنين في جسدٍ واحدٍ مع الله بالصليب." — أفسس 14:2–١٦

السلام الحقيقي ليس مجرد غياب الحرب، بل هو حضور المصالحة — المصالحة مع الله، ومن ثم مع بعضنا البعض. على الصليب، وفي شخص الرب يسوع، هدم الآب السماوي العداوة التي تفصل بين اليهود والأمم، وبين الأمم وبعضها الآخر. لذلك فكل سلامٍ ثابتٍ يجب أن ينبع من قلوبٍ قد تجددت بنعمة الله.

قد تُسكِت المعاهدات السياسية العنف لفترةٍ من الزمن، لكن الله وحده في المسيح – بالروح القدس - قادر أن يغيّر القلب البشري الذي يولّد النزاع. وحين تتصالح البشرية مع الله من خلاله، يصبح السلام ليس مجرد اتفاق، بل خليقة جديدة.


٢- إبراهيم: أبُ المؤمنين جميعًا

العديد من مبادرات السلام الحديثة تذكر ما يسمى "الوحدة الابراهيمية". والمقصود باسم "أبراهيم" هو الأب الذي يكرمه اليهود والمسيحيين والمسلمين على السواء. إلا أن الكتاب المقدس يعلّم أن نسل إبراهيم الحقيقي ليس في النسب الجسدي، بل في الإيمان:"لذلك هو من الإيمان لكي يكون حسب النعمة... كما هو مكتوب: قد جعلتك أبًا لأمم كثيرة.» — رومية 16:4–١٧

ويصف القديس بولس في الرسالة إلى العبرانيين إبراهيم بأنه:"كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات، التي صانعها وبانيها الله." — عبرانيين ١١:١٠

إذن، أبناء إبراهيم الحقيقيون هم جميع الذين يؤمنون بالله الآب [يهوه- في العبرية] من خلال ابنه يسوع [يشوع – في العبرية] المسيح. وإن وعد العهد — "ويتبارك فيك جميع قبائل الأرض" (تكوين 3:12) — يجد كماله وتحقيقه في المسيح، النسل الموعود به (غلاطية 16:3). وحين تسعى الأمم التي ترجع جذورها إلى إبراهيم نحو السلام، فإنها تعكس ذلك القصد الإلهي القديم؛ لكن هذا القصد لا يكتمل إلا بالإيمان بالمسيح، الذي يوحِّد المؤمنين جميعًا كأسرةٍ واحدة تحت الله الآب، بالروح القدس.


٣-  رجاء الملكوت الأبدي

بينما قد تفتح خطة السلام في غزة طريقًا نحو التعايش، تشير الكتب المقدسة إلى سلامٍ أعظم وأبدي قادم"قد صارت ممالك العالم لربنا ولمسيحه، فسيملك إلى أبد الآبدين." — رؤيا 15:11

سيأتي السلام النهائي والدائم حين تعترف جميع أمم الأرض بأن الله [يهوه] هو الآب، وأن يسوع [يشوع أو عيسى] هو ابنه. وقد تنبأ السيد المسيح نفسه عن هذه الوحدة قائلاً"ويسمعون صوتي، فتصير رعية واحدة وراعٍ واحد." — يوحنا ١٠:١٦

في هذا التدبير الإلهي، سيرجع بقية اليهود إلى السيد المسيح الذي كانوا ينتظرونه، والمؤمنون من كل الأمم — حتى المسلمون الذين عرفوه فقط كنبي — سيعترفون به مخلِّصًا وربًّا، إذ يقبلون الحق الإلهي أنه عاش وصلب ومات وقام وصعد إلى السماء، من أجل خلاص كل الأمم بما في ذلك اليهود والمسلمون. وقد تنبأ النبي ميخا بهذا العصر قائلاً:"فيطبعون [يصنعون] سيوفهم سككًا [محاريث للزراعة] ورماحهم مناجل... لا ترفع أمة على أمة سيفًا، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد." — ميخا 3:4

ذلك سيكون السلام الحقيقي الأبدي — ملكوت المسيح الذي تُبدَّل فيه الكراهية بالمحبة، والانتقام بالعدل، ويُعلَن فيه اسم الله الآب [يهوه] ممجدًا بين جميع الشعوب.


٤- صناع السلام بروح المسيح

إن كان المسيح هو سلامنا، وأولاده أيضا مدعوون ليكونوا أدوات سلامه في عالمٍ منقسم. رسالة الكنيسة ليست رسالة سياسية، بل رسالة للخلاص الأبدي — أن تُعلن المصالحة من خلال إنجيل يسوع المسيح: "فإذ قد تبررنا بالإيمان، لنا سلامٌ مع الله بربنا يسوع المسيح." — رومية 1:5

وهذا السلام الداخلي يجب أن يُثمر في أعمالٍ ظاهرة: شفاء الجراح، رفض الكراهية ورفض معاداة السامية، والغفران للأعداء، وإظهار الرحمة للمتألمين، ونبذ أي نوع من الانقسامات، والدعوة للوحدة في شخص المسيح. إن روح الله [يهوه] يجدد القلوب، ومن خلال القلوب المتجددة تتجدّد المجتمعات.

وكتابعين لرئيس السلام، يجب أن نصلي أن تكون الجهود في اتفاق غزة أكثر من مجرد نجاحٍ سياسي - بل أن تفتح أبواب الرحمة والفهم وقوة محبة الله الشافية.


الخاتمة

يُعَدُّ توقيع خطة السلام في غزة لحظةً جديرة بالتقدير في تاريخ الإنسانية، تعكس — ولو جزئيًا — الإرادة الإلهية للسلام. لكن كما تُعلّمنا الأسفار المقدسة، فإن السلام النهائي والأبدي لن يتحقق إلا عندما ترجع جميع الأمم إلى الله بالإيمان بالسيد المسيح بقوة الروح القدس. وعندما تعترف البشرية بالله [يهوه] أبًا، وبيسوع [يشوع] ابنًا له، وتقبل خلاص الله في شخص ابن الله يسوع المسيح، حينها يتحقق تمامًا النشيد الملائكي:"المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة." — لوقا 14:2

ليبدأ هذا السلام اليوم في كل قلب، وفي كل بيت، وفي كل أرض، ولِيَكُن الهدوء المؤقت بين الناس عربونًا، بنعمة الله، للسلام الأبدي في ملكوته.

القمص أبرآم سليمان

frsleman@CopticChurch.net

جرسي سيتي - نيو جرسي 

#خطة_السلام_في_غزة #السلام_في_الشرق_الأوسط #طوبى_لصانعي_السلام #صلوا_من_أجل_غزة #صلوا_من_أجل_أورشليم #رجاء_الأمم

Comments

Popular posts from this blog

Pastoral Statement on the East Brunswick Tragedy

The Eucharist: The Heart of Christian Unity - Preface of a New Book

A Prayerful Message to His Holiness Pope Leo XIV: A Call for Eucharistic Unity