اعترافات يونان: رحلة من التمرد إلى الفداء

 


قصة يونان ليست مجرد رواية قديمة عن نبي ابتلعه حوت عظيم، بل هي مرآة تعكس قلب الإنسان— صراعنا مع إرادة الله، كبرياؤنا، مقاومتنا للرحمة، وحاجتنا إلى التغيير.

هذه ليست اعترافات حرفية من يونان، بل تأمل في رحلته، متخيلين كيف كان سيتحدث لو كان معنا اليوم، ونظر إلى الوراء وشارك الدروس التي علمه الله إياها. ماذا لو أدرك يونان، بعد الأحداث المسجلة في الكتاب المقدس، عمق رحمة الله وعدله؟ ماذا لو رأى في تجربته تلميحًا إلى المسيح — يسوع المسيح، الذي كان عانى الموت ومات وقام في اليوم الثالث؟

لو كان يونان معنا اليوم معترفا بكل ما حدث معه وله، فماذا كان سيقول؟

1-           الهروب من دعوة الله

أنا يونان سمعت جيدا ما أمرني الله به: "اذهب إلى نينوى ونادِ لها بالتوبة." لكنني لم أُريد الذهاب. لقد كرهت نينوى. كانوا شعبًا شريرًا عنيفًا—أعداءً لإسرائيل. كنت أراهم غير مستحقين لرحمة الله. لم أستطع قبول فكرة أن الله سيفيض شفقته عليهم.

لذلك هربت.

ركبت سفينة متجهة في الاتجاه المعاكس، ظننت أنني يمكنني الهروب من محضر الله. لكنني كنت أحمق. لأنه لا يوجد مكان لا يوجد فيه الله."

تأمل:

ظننت أنني كنت أتحكم في مصيري، وأنا صاحب القرار في قبول وصة الله أو رفضها... لكن الهروب من الله لم يؤدِّ إلا إلى مزيد من الاضطراب. بغض النظر عن مدى بعدي، بقيت دعوة الله تنتظر استسلامي. في عنادي، فشلت في رؤية أنني لم أكن أهرب من مهمة كلفني الله بها فحسب—بل كنت أهرب من الله نفسه.

 ٢- مواجهة العاصفة

بينما كنت في طريقي للهرب، أرسل الله عاصفة—ريحًا عاتية هددت بتمزيق السفينة. فخاف البحارة وصرخوا إلى آلهتهم، لكن لم يكن هناك جواب. أما أنا، فكنت نائمًا في أعماق السفينة، غافلًا عن الفوضى التي تسببت بها معصيتي.

أجرى البحارة قرعة، فكشفني الله امامهم. سألوني عن هويتي، فاعترفت: "أنا عبراني، وأخاف يهوه، إله السماء، الذي صنع البحر واليابسة."

كنت أعلم أن العاصفة لن تهدأ ما لم يلقوني في البحر. فسلمت نفسي له ليلقوني في البحر.

بمجرد أن ألقوني في البحر، هدأت العاصفة. والعجيب أن البحارة، الذين كانوا يعبدون آلهة كاذبة، صاروا الآن يخافون الله. ومن خلال عصياني، عرفوا الإله الحقيقي.

تأمل:

الآن أدرك أن تضحيتي بإلقائي في البحر كانت تلميحًا لشيء أعظم—المسيح، الذي قدم نفسه طوعًا للموت من أجل العالم. وكما جلب إلقائي في العمق السلام للبحارة، كذلك جلبت ذبيحته السلام لكل من يؤمن به.

 ٣- الغرق في اليأس

بينما كنت أغرق في الأعماق، شعرت بثقل تمردي. أحاطت بي المياه، وإبتلعني العمق، وكنت كالميت.

لكن الله لم يتخلَّ عني.

أرسل الله حوتًا عظيمًا—ليس كعقاب، بل كإنقاذ. إبتلعني الحوت في جوفه، وكنت كمن دُفِن في أعماق الأرض، مقطوعًا عن أرض الأحياء. بقيت هناك ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ.

والآن فقط أدرك أن هذا لم يكن عني فقط—بل كان إشارة إلى الفداء الأعظم. كانت أيامي الثلاثة في بطن الحوت رمزا لمعاناة مسيح الله. هو أيضًا أسلم للموت، يودفن في قلب الأرض. لكنه، مثلي، لم يتركه الآب للموت، ولم يرى جسده فسادا.

تأمل:

أرى الآن أن الله كان يستخدم تجربتي ليكشف عن خطته الأعظم: ألام المسيح ودفنه، والأهم—قيامته من الموت، وبذلك يتمم الخلاص الذي لم أستطع سوى التلميح إليه بضعفي.

 ٤- صلاة من الأعماق

من جوف الحوت صرخت: "دعوتُ يهوه في ضيقي، فاستجاب لي. من جوف الهاوية صرخت، فسمعتَ صوتي!"

لم يكن لديَّ شيء—لا قوة، ولا طريق للخروج. لا أمل سوى رحمة الله. وبرحمته العظيمة، سمعني. أمر الحوت بإطلاق سراحي، وألقاني الحوت على اليابسة.

لقد نجوتُ من الموت.

تأمل:

كما أقامني الله الآب من الأعماق، كذلك أقام مسيحه من القبر. وكما خرجتُ من الحوت لأعلن كلمته، كذلك حمل المسيح القائم رسالة الخلاص إلى جميع الأمم. كانت نجاتي إشارة إلى أعظم نجاة أتت للبشرية، وهي خلاص الله في شخص المسيح.

 ٥- فرصة ثانية

ثم تكلم الله مرة أخرى: "اذهب إلى نينوى."

هذه المرة، أطعت. سرتُ في تلك المدينة العظيمة، مناديًا: "بعد أربعين يومًا سيدمر الله نينوى!

كنت أتوقع مقاومة شعب نينوى. كنت أتوقع سخريتهم. لكن بدلاً من ذلك، رأيتُ أمرًا لا يُصدَّق—لقد تابَ الناس.

من العظيم إلى الصغير، حتى الملك، صاموا، ناحوا، ورجعوا عن شرهم. فندم الله عن الدمار الذي كان مزمعًا أن يصنعه بهم.

تأمل:

كانت مهمتي إلى نينوى رمزا إلى الإنجيل الذي ذهب إلى كل الأمم. الرسالة التي حملتها إلى مدينة وثنية تحققت في المسيح، الذي بموته وقيامته أتى بالخلاص إلى العالم كله.

 ٦- انكشاف القلب المرّ

لكن بدلاً من الفرح، غضبت.!

أطعت وصية الله، لكنني لم أتغير. أردتُ دمار نينوى، لا خلاصها."

أعدَّ الله نباتًا ليعطيني ظلًا، ففرحتُ به—حتى أرسل دودة لتأكله. أحرقتني الشمس، فصرتُ تعيسًا. صرختُ قائلاً: "خير لي أن أموت من أن أعيش!"

فقال لي الله: "هل لك الحق في الغضب؟"

تأمل:

أظهر غضبي الأنانية في قلبي. تلقيتُ رحمة الله حين كنتُ أستحق الدينونة، لكنني رفضتُ أن يرحم الله غيري. أما المسيح فكان مختلفًا عني. فقد قدم الخلاص للجميع بمحبة، فاتحًا ذراعيه للضالين.

 ٧- تعلُّم قلب الله

"ثم واجهني الله بلطفه وقال لي: "أنتَ تحزن على نبات لم يُعمِّر يومًا واحدًا. أفلا أرحم مئة وعشرين ألفًا في نينوى، الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم، والبهائم؟ ‘"

شعرتُ بالخزي. كنتُ مهتمًا براحة نفسي أكثر من نفوس الآخرين. أردتُ الدينونة لنينوى، ولكن الله يُسرُّ بالرحمة.

تأمل:

محبة الله أعظم من أحكامي. رحمته أوسع من التعصب لشعبي. والمسيح، الذي أرسله الآب، تجسد في هذه المحبة بالكامل.

 

 ٨- الإدراك النهائي

الآن أعلم هذا: الله هو إله الفرصة الثانية—ليس لي فقط، بل لكل من يرجع إليه.

رحمة الله لكل الشعوب—ليس لإسرائيل فقط، بل لكل الأمم."

أتي المسيح وحقق ما لم أستطع فعله سوى الرمز إليه. قدم نفسه ذبيحة، يدفن في القبر، وقوم في اليوم الثالث، وحقق الخلاص للعالم كله.

هربتُ، فطاردني الله.

غرقتُ، فرفعني الله.

عصيتُ، فاستعادني الله.

والآن، أعلم—أن الله ليس فقط إله إسرائيل، بل إله كل من يطلبه.

تأمل أخير

رحمة الله تفوق فهمي. طرقه أعلى من طرقي.

أترككم مع السؤال الذي طرحه الله عليّ:

"هل لك الحق في الغضب؟"

أم أنك، مثلي، ستستسلم لرحمة الله—ذاك الذي يخلّص بمسيحه؟

 

القمص أبرآم سليمان 

frsleman@CopticChurch.net

 


Comments

Popular posts from this blog

Pastoral Statement on the East Brunswick Tragedy

Heart of the Shephard: Introduction - Under Print

A Message to President-Elect Trump